العلاقة بين سلة الفواكه لكرفاجو والمبولة (النافورة) لمارسيل دو شامب
الكاتب:أحمد الغماري.
الطرح الذي نراه في لوحة سلة الفاكهة للفنان الإيطالي مايكل أنجلوا مراسي المعروف باسم كارافاجوا نسبة إلى المدينة التي ولد فيها, وهذه التي رسمها في سنة 1597 هي في الحقيقة تحول في فن الرسم والتصوير على المستوى الفكري, أثناء عصر النهضة بالذات وفي فترة الباروك إذا أخذناها بعين الاعتبار,فالنقاد أشاروا إلى عدة نقاط مهمة التي سنلتمسها في هذه التفاصيل الموضحة بجلاء لما كان كارافاجوا يريد أن يعبر عنه في هذه اللوحة, فمسألة الحياة والموت التي تعتبر مركز جدل فكري لدى الإنسان في مسيرة الفن و الفلسفة، استطاع كارافاجوا أن يطرحها من خلال لوحة سلة الفاكهة و التي تعتبر كموضوع تافه للفن في تلك الحقبة ,فالطبيعة الصامتة تعتبر من الأشياء التي ترسم مصاحبة للموضوع الرئيسي أو حتى كديكور في أماكن من اللوحات لمشاهد وأحداث حية تتسم بالموضوعية أو الذاتية لأشخاص هم أبطالها، وفي أغلب الأحيان كان الدين هو الموضوع الرئيسي الذي عمل تحته كل فناني ذلك العصر , فسلطة الكنيسة و رجال الدين حتموا على الفنانين أن يكونوا خاضعين لمطالبهم , مقابل الرعاية والمال والحماية ( اللوجستية) لهم , إلا أن كارافاجوا كانت له نظرة مختلفة عن سائر أبناء عصره (فالطبيعة الصامتة ) نظر لها على أنها موضوع يمكن أن يعبر من خلاله عن أشياء تتجاوز حدود الشكل إلى المضمون الذي يمكن أن تسقطه.
البخوس للفنان كرافاجو
فلو نظرنا بعين فاحصة إلى كل تفاصيل اللوحة لوجدناها تتكلم بلغة بليغة واضحة ،فالفاكهة من فواكه موسم الخريف والعناصر المكونة للوحة من ( التفاحة و التين و العنب و الليمون و الكرز ) هي في حالة احتضار واضح ، فلو أخذنا التفاحة مثلا , فإنه لم يرسمها بشكل براق و لامع ، بل بندابات سوداء دليلاً على عطنتها و بداية فسادها ، و العنب أيضا عليه غبار وعلامات ذبول وشحوب و شيخوخة واضحة من ذلك الاحمرار الزائد في بعض حباته, و لو ذهبنا بنظرنا نحو الورقات لتجلت أمامنا صورة رهيبة تظهر ذلك الذبول و الجفاف و الاصفرار الظاهر على حوافها ،حتى ذلك اللمعان البسيط الذي يظهر على ورقة التين لم يغفر لحالة الموت من الاختفاء وراءه ، و لو اتجهنا بنظرنا إلى التين لوجدناه متكئا مرهقا كأن أعباء الحياة قد مرت على جسده ، هذا إلى جانب شكل العشق للسلة بتلك الخطوط القوية ، التي تظهر وحشية الشكل و كأنها النعش الذي يحمل الجثة ، و بقليل من التفكير و بنظرة متسائلة فإن خلفية اللوحة تظهر بلون أصفر شاحب غير معتاد في لوحات تلك الحقبة,وبدون تلاعب بالاضاءات أو الظلال القوية التي تزيد من جماليات الشكل العام للوحة ، هي حالة صمت و برود متجلية تزيد من الصمت المهيمن على اللوحة ، أما الخط الذي ترتكز عليه السلة و لربما يكون حافة طاولة أو دولاب بدون أي تفاصيل تظهر منه ،لهو تأكيد لحالة الموت و الصمت الرهيب الذي يظهر في هذه اللوحة ، فدرجة الإصفرار التي يظهر عليها الشكل (على خط مستوى النظر ) ، بالنسبة للمشاهد ، أما في واقع الأمر فهو في مستوى العين ، أي على ارتفاع أعين المشاهد ،فلو وضعت أي شيء على الرف وعلى مستوى نظرك فإن شكل هذا الشيء سيظهر لك على هيئة خطوط أفقية في درجة الإصفرار وهذا الأمر يتضح جليا في مذابح الكنائس ، حيث يكون مستوى المذبحة على مستوى العين تماما ، ويكون المتعبد نظره على مستوى المذبحة و جسده تحت مستوى المذبحة , زد على كون السلة متقدمة قليلا إلى الأمام فوق حافة القاعدة التي هي مرتكزة عليها نحو نظر المشاهد بحيث تعطي انطباعاً على أنها حالة تقديم النفس كفداء كما يتخيلها بعض النقاد المسيحيين الذين يرون أنها تصور روح الفداء التي قدمها السيد المسيح نحو البشرية وكذلك تعطي إحساساً بحالة قرب السقوط أي بمعنى قرب الموت لهذا الكائن و يخيم على اللوحة جو من الحالة الجنائزية تظهر واضحة من خلال العناصر المجتمعة سواء كان كارافاجوا يقصد إبراز هذه الفكرة أو لم يقصد إلا أن الرسالة التي تنبع من جنبات اللوحة توحي بذلك .
العشاء الاخير للفنان الايطاي كارفاجو ( Emmaus ) سلة الفاكهة
فعلى خلفية آراء بعض النقاد المخالفين لهذا الرأي يرون أن كارافاجو لم يكن قد رسم هذه اللوحة قصدا للتعبير عن هذه الفكرة , أو كان يريد أن يستقل بموضوع الطبيعة الصامتة (الفاكهة) لوحدها , إنما هي جزء من مشروع لوحة كان كارافاجوا قد شرع في تنفيذها تحت اسم (العشاء الأخير ( Emmaus) ( والتي يظهر فيها السيد المسيح و من حوله بعض من أتباعه يدعونه للعشاء بعدما مثل لهم, مشهد تكرر تناوله في فن رسم و تصوير وهي مستوحاة من الإنجيل وتظهر فيها الفاكهة في المقام الأول من اللوحة ,و قد تكرر ظهور الفاكهة في لوحات أخرى مثل لوحة الصبي و سلة الفاكهة, و لوحة) (li Bacco) باخوس) التي يعتبرها النقاد إنها رسم شخصي لكارافاجوا وتصور شاباً ذا كتف عارٍ و يحمل في يده اليسرى كأساً من النبيذ وأمامه مجموعة من الفواكه تشبه الأنواع التي ظهرت في اللوحات الأخرى ,و لكن بقليل من التفحص نلاحظ أن الفاكهة في هذه اللوحات التي كانت قد ظهرت فيها كجزء مكمل للمشهد, لا تظهر عليها حالة الذبول و الترهل التي تبدو واضحة في لوحة سلة الفاكهة , هذا دليل على أن كارافاجوا عندما رسم سلة الفاكهة كان واعيا بما يرسمه من ذبول الورق و نذوب على الفاكهة وغبار على حبات العنب ..الخ
ليظهرها بهذا الشكل مصورا بها حالة جنائزية التي كنا أشرنا إليها في البداية , ومن ما يشاع عن حياة كارافاجوا أنها كانت مليئة بالتناقضات فهي مابين الفرشاة و السيف و العنف و الفن والرذالة و الكرامة و الفقر وحياة الأثرياء هذا التناقض يرجع له البعض الفضل في ما أنتج كارافاجوا من فن في لوحات تصور بشكل درامي مواضيع دينية و حياتية, هذا بالإضافة إلى ما أكد على لسان الفنان الفرنسي poussin الذي وصف كارافاجوا انه جاء لكي يحطم قواعد فن الرسم و التصوير التي كانت متبعة آنذاك ,هذه النظرة إلى كارافاجوا من الآخرين لهي خير دليل على أنه كان صاحب فكرة مختلفة لما هو سائد في ذلك الوقت، فكارافاجوا لم يكن يريد أن يرسم الجمال التقليدي إنما أراد أن يرسم الحقيقي (الواقع) بكل ما فيه من قبح و جمال ,هذا المنعطف الفني في تاريخ الرسم و التصوير نجد له مثيلاً مشابهاً في الفن المعاصر تحت ما يسمى بالعدمية في الفن أو الحركة الدادية عند الفنان الفرنسي مارسيل دو شامب الذي استطاع أن يغير مسار مفهوم الفن من اتجاه نحو تمجيد العمل الفني كقطعة فنية (أكونية) ذات قيمة مادية و معنوية إلى مفهوم الفن الذهني الذي يحمل على جسده قيمة جمالية بديلة عن ما هو معتاد في تاريخ الفن سابقا ,و فكرة الهدم نجدها واضحة في عمله المسمى (النافورة) أو المبولة التي يصنفها النقد تحت ما يسمى بالفن الجاهز الذي ولد من أحشاء المدرسة الدادية هذا العمل الذي جاء نتيجة كردة فعل من مارسيل دو شامب .
المبولة للفنان الفرنسي مارسيل دي شامب
على إقامة المعرض الذي كانت فكرته تتمحور حول فتح الباب أمام جماعات مستقلة للمشاركة فيه مقابل دفع مبلغ بسيط من المال وعندئذ أراد مارسيل دو شامب أن يسخر من اللجنة المنظمة للمعرض وعلى طريقة تنظيمه فسلم لهم هذه القطعة (النافورة) الجاهزة و وضع عليها توقيعا مجهولا بشكل (r.mutt) وكانت موضوعة على ظهرها وتطلب رفعها على الأرض بوجود قاعدة ترفعها مما أعطاها نوعا من القيمة لشيء يعتبر تافها و من المستعملات اليومية … هذا التصرف من جانب مارسيل دو شامب فتح الباب أمام الجدل والتأويل حول قيمة العمل الفني كشكل ومضمون وكسر القيمة التجارية للعمل الفني كقطعة تمتلك لأنها تحمل حرفية وقدرة الأدائية , أما تفسير هذه التوقيعة الموقعة على المبولة فقد فسرت إلى عدة تفسيرات, إلا أنه اتضح فيما بعد أن مارسيل دو شامب كان قد وضع اسم الشركة التي اشترى منها هذه (النافورة)بشكل مخفي و التي كان اسمها (mott works ) وهكذا تتجسد فكرة غياب الذات وحضور النص المعروض فغاب الفنان و حضر التوقيع . من خلال هذا السياق يتضح أن القيمة الجمالية و التقليدية للعمل الفني و التي كانت سائدة من قبل قد ماتت . هذا الموت قد بدا واضحا في هذا العمل الذي خرج بالقيمة التقليدية للعمل الفني الكلاسيكي إلى مفاهيم جديدة. فالوضع النائم (للنافورة) و طريقة رفعها عن الأرض كأنها تحفة لأعظم النحاتين أراد به الفنان مارسيل دو شامب أن يقول (الموت لما هو مقدس؟ ) في وجهة النظر المعتادة للعمل الفني و إحياء مفهوم جديد شعاره (ليس الشيء مهماً إنما المعنى).
الكاتب:أحمد الغماري.
الطرح الذي نراه في لوحة سلة الفاكهة للفنان الإيطالي مايكل أنجلوا مراسي المعروف باسم كارافاجوا نسبة إلى المدينة التي ولد فيها, وهذه التي رسمها في سنة 1597 هي في الحقيقة تحول في فن الرسم والتصوير على المستوى الفكري, أثناء عصر النهضة بالذات وفي فترة الباروك إذا أخذناها بعين الاعتبار,فالنقاد أشاروا إلى عدة نقاط مهمة التي سنلتمسها في هذه التفاصيل الموضحة بجلاء لما كان كارافاجوا يريد أن يعبر عنه في هذه اللوحة, فمسألة الحياة والموت التي تعتبر مركز جدل فكري لدى الإنسان في مسيرة الفن و الفلسفة، استطاع كارافاجوا أن يطرحها من خلال لوحة سلة الفاكهة و التي تعتبر كموضوع تافه للفن في تلك الحقبة ,فالطبيعة الصامتة تعتبر من الأشياء التي ترسم مصاحبة للموضوع الرئيسي أو حتى كديكور في أماكن من اللوحات لمشاهد وأحداث حية تتسم بالموضوعية أو الذاتية لأشخاص هم أبطالها، وفي أغلب الأحيان كان الدين هو الموضوع الرئيسي الذي عمل تحته كل فناني ذلك العصر , فسلطة الكنيسة و رجال الدين حتموا على الفنانين أن يكونوا خاضعين لمطالبهم , مقابل الرعاية والمال والحماية ( اللوجستية) لهم , إلا أن كارافاجوا كانت له نظرة مختلفة عن سائر أبناء عصره (فالطبيعة الصامتة ) نظر لها على أنها موضوع يمكن أن يعبر من خلاله عن أشياء تتجاوز حدود الشكل إلى المضمون الذي يمكن أن تسقطه.
البخوس للفنان كرافاجو
فلو نظرنا بعين فاحصة إلى كل تفاصيل اللوحة لوجدناها تتكلم بلغة بليغة واضحة ،فالفاكهة من فواكه موسم الخريف والعناصر المكونة للوحة من ( التفاحة و التين و العنب و الليمون و الكرز ) هي في حالة احتضار واضح ، فلو أخذنا التفاحة مثلا , فإنه لم يرسمها بشكل براق و لامع ، بل بندابات سوداء دليلاً على عطنتها و بداية فسادها ، و العنب أيضا عليه غبار وعلامات ذبول وشحوب و شيخوخة واضحة من ذلك الاحمرار الزائد في بعض حباته, و لو ذهبنا بنظرنا نحو الورقات لتجلت أمامنا صورة رهيبة تظهر ذلك الذبول و الجفاف و الاصفرار الظاهر على حوافها ،حتى ذلك اللمعان البسيط الذي يظهر على ورقة التين لم يغفر لحالة الموت من الاختفاء وراءه ، و لو اتجهنا بنظرنا إلى التين لوجدناه متكئا مرهقا كأن أعباء الحياة قد مرت على جسده ، هذا إلى جانب شكل العشق للسلة بتلك الخطوط القوية ، التي تظهر وحشية الشكل و كأنها النعش الذي يحمل الجثة ، و بقليل من التفكير و بنظرة متسائلة فإن خلفية اللوحة تظهر بلون أصفر شاحب غير معتاد في لوحات تلك الحقبة,وبدون تلاعب بالاضاءات أو الظلال القوية التي تزيد من جماليات الشكل العام للوحة ، هي حالة صمت و برود متجلية تزيد من الصمت المهيمن على اللوحة ، أما الخط الذي ترتكز عليه السلة و لربما يكون حافة طاولة أو دولاب بدون أي تفاصيل تظهر منه ،لهو تأكيد لحالة الموت و الصمت الرهيب الذي يظهر في هذه اللوحة ، فدرجة الإصفرار التي يظهر عليها الشكل (على خط مستوى النظر ) ، بالنسبة للمشاهد ، أما في واقع الأمر فهو في مستوى العين ، أي على ارتفاع أعين المشاهد ،فلو وضعت أي شيء على الرف وعلى مستوى نظرك فإن شكل هذا الشيء سيظهر لك على هيئة خطوط أفقية في درجة الإصفرار وهذا الأمر يتضح جليا في مذابح الكنائس ، حيث يكون مستوى المذبحة على مستوى العين تماما ، ويكون المتعبد نظره على مستوى المذبحة و جسده تحت مستوى المذبحة , زد على كون السلة متقدمة قليلا إلى الأمام فوق حافة القاعدة التي هي مرتكزة عليها نحو نظر المشاهد بحيث تعطي انطباعاً على أنها حالة تقديم النفس كفداء كما يتخيلها بعض النقاد المسيحيين الذين يرون أنها تصور روح الفداء التي قدمها السيد المسيح نحو البشرية وكذلك تعطي إحساساً بحالة قرب السقوط أي بمعنى قرب الموت لهذا الكائن و يخيم على اللوحة جو من الحالة الجنائزية تظهر واضحة من خلال العناصر المجتمعة سواء كان كارافاجوا يقصد إبراز هذه الفكرة أو لم يقصد إلا أن الرسالة التي تنبع من جنبات اللوحة توحي بذلك .
العشاء الاخير للفنان الايطاي كارفاجو ( Emmaus ) سلة الفاكهة
فعلى خلفية آراء بعض النقاد المخالفين لهذا الرأي يرون أن كارافاجو لم يكن قد رسم هذه اللوحة قصدا للتعبير عن هذه الفكرة , أو كان يريد أن يستقل بموضوع الطبيعة الصامتة (الفاكهة) لوحدها , إنما هي جزء من مشروع لوحة كان كارافاجوا قد شرع في تنفيذها تحت اسم (العشاء الأخير ( Emmaus) ( والتي يظهر فيها السيد المسيح و من حوله بعض من أتباعه يدعونه للعشاء بعدما مثل لهم, مشهد تكرر تناوله في فن رسم و تصوير وهي مستوحاة من الإنجيل وتظهر فيها الفاكهة في المقام الأول من اللوحة ,و قد تكرر ظهور الفاكهة في لوحات أخرى مثل لوحة الصبي و سلة الفاكهة, و لوحة) (li Bacco) باخوس) التي يعتبرها النقاد إنها رسم شخصي لكارافاجوا وتصور شاباً ذا كتف عارٍ و يحمل في يده اليسرى كأساً من النبيذ وأمامه مجموعة من الفواكه تشبه الأنواع التي ظهرت في اللوحات الأخرى ,و لكن بقليل من التفحص نلاحظ أن الفاكهة في هذه اللوحات التي كانت قد ظهرت فيها كجزء مكمل للمشهد, لا تظهر عليها حالة الذبول و الترهل التي تبدو واضحة في لوحة سلة الفاكهة , هذا دليل على أن كارافاجوا عندما رسم سلة الفاكهة كان واعيا بما يرسمه من ذبول الورق و نذوب على الفاكهة وغبار على حبات العنب ..الخ
ليظهرها بهذا الشكل مصورا بها حالة جنائزية التي كنا أشرنا إليها في البداية , ومن ما يشاع عن حياة كارافاجوا أنها كانت مليئة بالتناقضات فهي مابين الفرشاة و السيف و العنف و الفن والرذالة و الكرامة و الفقر وحياة الأثرياء هذا التناقض يرجع له البعض الفضل في ما أنتج كارافاجوا من فن في لوحات تصور بشكل درامي مواضيع دينية و حياتية, هذا بالإضافة إلى ما أكد على لسان الفنان الفرنسي poussin الذي وصف كارافاجوا انه جاء لكي يحطم قواعد فن الرسم و التصوير التي كانت متبعة آنذاك ,هذه النظرة إلى كارافاجوا من الآخرين لهي خير دليل على أنه كان صاحب فكرة مختلفة لما هو سائد في ذلك الوقت، فكارافاجوا لم يكن يريد أن يرسم الجمال التقليدي إنما أراد أن يرسم الحقيقي (الواقع) بكل ما فيه من قبح و جمال ,هذا المنعطف الفني في تاريخ الرسم و التصوير نجد له مثيلاً مشابهاً في الفن المعاصر تحت ما يسمى بالعدمية في الفن أو الحركة الدادية عند الفنان الفرنسي مارسيل دو شامب الذي استطاع أن يغير مسار مفهوم الفن من اتجاه نحو تمجيد العمل الفني كقطعة فنية (أكونية) ذات قيمة مادية و معنوية إلى مفهوم الفن الذهني الذي يحمل على جسده قيمة جمالية بديلة عن ما هو معتاد في تاريخ الفن سابقا ,و فكرة الهدم نجدها واضحة في عمله المسمى (النافورة) أو المبولة التي يصنفها النقد تحت ما يسمى بالفن الجاهز الذي ولد من أحشاء المدرسة الدادية هذا العمل الذي جاء نتيجة كردة فعل من مارسيل دو شامب .
المبولة للفنان الفرنسي مارسيل دي شامب
على إقامة المعرض الذي كانت فكرته تتمحور حول فتح الباب أمام جماعات مستقلة للمشاركة فيه مقابل دفع مبلغ بسيط من المال وعندئذ أراد مارسيل دو شامب أن يسخر من اللجنة المنظمة للمعرض وعلى طريقة تنظيمه فسلم لهم هذه القطعة (النافورة) الجاهزة و وضع عليها توقيعا مجهولا بشكل (r.mutt) وكانت موضوعة على ظهرها وتطلب رفعها على الأرض بوجود قاعدة ترفعها مما أعطاها نوعا من القيمة لشيء يعتبر تافها و من المستعملات اليومية … هذا التصرف من جانب مارسيل دو شامب فتح الباب أمام الجدل والتأويل حول قيمة العمل الفني كشكل ومضمون وكسر القيمة التجارية للعمل الفني كقطعة تمتلك لأنها تحمل حرفية وقدرة الأدائية , أما تفسير هذه التوقيعة الموقعة على المبولة فقد فسرت إلى عدة تفسيرات, إلا أنه اتضح فيما بعد أن مارسيل دو شامب كان قد وضع اسم الشركة التي اشترى منها هذه (النافورة)بشكل مخفي و التي كان اسمها (mott works ) وهكذا تتجسد فكرة غياب الذات وحضور النص المعروض فغاب الفنان و حضر التوقيع . من خلال هذا السياق يتضح أن القيمة الجمالية و التقليدية للعمل الفني و التي كانت سائدة من قبل قد ماتت . هذا الموت قد بدا واضحا في هذا العمل الذي خرج بالقيمة التقليدية للعمل الفني الكلاسيكي إلى مفاهيم جديدة. فالوضع النائم (للنافورة) و طريقة رفعها عن الأرض كأنها تحفة لأعظم النحاتين أراد به الفنان مارسيل دو شامب أن يقول (الموت لما هو مقدس؟ ) في وجهة النظر المعتادة للعمل الفني و إحياء مفهوم جديد شعاره (ليس الشيء مهماً إنما المعنى).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire